فصل: فصل: (مسح الرجلين وغسلهما):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: [المسح على العمامة]:

لا يجوز الاكتفاء بالمسح على العمامة، وقال الأوزاعي والثوري وأحمد: يجوز.
لنا أن الآية دالة على أنه يجب المسح على الرأس، ومسح العمامة ليس مسحًا للرأس واحتجبوا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام مسح على العمامة.
جوابنا: لعله مسح قدر الفرض على الرأس والبقية على العمامة.

.فصل: [مسح الرجلين وغسلهما]:

اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما، فنقل الفقال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر: أن الواجب فيهما المسح، وهو مذهب الإمامية من الشيعة.
وقال جمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل، وقال داود الأصفهاني: يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية.
وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل.
حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب، فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: هذا كسر على الجوار كما في قوله: جحر ضب خرب، وقوله:
كبير أناس في بجاد مزمل

قلنا: هذا باطل من وجوه: الأول: أن الكسر على الجوار معدود في اللَّحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله يجب تنزيهه عنه.
وثانيهما: أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتًا للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.
وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضًا: إنها توجب المسح، وذلك لأن قوله: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} فرؤوسكم في النصب ولكنها مجرورة بالباء، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفًا على محل الرؤوس، والجر عطفًا على الظاهر، وهذا مذهب مشهور للنحاة.
إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} هو قوله: {وامسحوا} ويجوز أن يكون هو قوله: {فاغسلوا} لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} هو قوله: {وامسحوا} فثبت أن قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بنصب اللام توجب المسح أيضًا، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح، ثم قالوا: ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد، ونسخ القرآن بخير الواحد لا يجوز.
واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين: الأول: أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه، وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الرجل يقوم مقام مسحها، والثاني: أن فرض الرجلين محدود إلى الكعبين، والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح، والقوم أجابوا عنه بوجهين: الأول: أن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم، وعلى هذا التقدير فيجب المسح على ظهر القدمين، والثاني: أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق، إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين، وحينئذ لا يبقى هذا السؤال.

.فصل: [المقصود بالكعبين]:

مذهب جمهور الفقهاء أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق، وقالت الإمامية وكل من ذهب إلى وجوب المسح: إن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب البقر والغنم موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم، وهو قول محمد بن الحسن رحمه الله.
وكان الأصمعي يختار هذا القول ويقول: الطرفان الناتئان يسميان المنجمين.
هكذا رواه القفال في تفسيره.
حجة الجمهور وجوه: الأول: أنه لو كان الكعب ما ذكره الإمامية لكان الحاصل في كل رجل كعبًا واحدًا، فكان ينبغي أن يقال: وأرجلكم إلى الكعاب، كما أنه لما كان الحاصل في كل يد مرفقًا واحدًا لا جرم قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق} والثاني: أن العظم المستدير الموضوع في المفصل شيء خفي لا يعرفه إلا المشرحون، والعظمان الناتئان في طرفي الساق محسوسان معلومان لكل أحد، ومناط التكاليف العامة يجب أن يكون أمرًا ظاهرًا، لا أمرًا خفيًا.
الثالث: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألصقوا الكعب بالكعاب» ولا شك أن المراد ما ذكرناه.
الرابع: أن الكعب مأخوذ من الشرف والارتفاع، ومنه جارية كاعب إذا نتأ ثدياها، ومنه الكعب لكل ما له ارتفاع.
حجة الإمامية: أن اسم الكعب واقع على العظم المخصوص الموجود في أرجل جميع الحيوانات، فوجب أن يكون في حق الإنسان كذلك، وأيضًا المفصل يسمى كعبًا، ومنه كعوب الرمح لمفاصله، وفي وسط القدم مفصل، فوجب أن يكون الكعب هو هو.
والجواب: أن مناط التكاليف الظاهرة يجب أن يكون شيئًا ظاهرًا، والذي ذكرناه أظهر، فوجب أن يكون الكعب هو هو.

.فصل: [المسح على الخفين]:

أثبت جمهور الفقهاء جواز المسح على الخفين.
وأطبقت الشيعة والخوارج على إنكاره، واحتجوا بأن ظاهر قوله تعالى: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} يقتضي إما غسل الرجلين أو مسحهما، والمسح على الخفين ليس مسحًا للرجلين ولا غسلًا لهما، فوجب أن لا يجوز بحكم نص هذه الآية، ثم قالوا: إن القائلين بجواز المسح على الخفين إنما يعولون على الخبر، لكن الرجوع إلى القرآن أولى من الرجوع إلى هذا الخبر، ويدل عليه وجوه: الأول: أن نسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز، والثاني: أن هذه الآية في سورة المائدة، وأجمع المفسرون على أن هذه السورة لا منسوخ فيها ألبتة إلا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} [المائدة: 2] فإن بعضهم قال: هذه الآية منسوخة، وإذا كان كذلك امتنع القول بأن وجوب غسل الرجلين منسوخ، والثالث: خبر المسح على الخفين بتقدير أنه كان متقدمًا على نزول الآية كان خبر الواحد منسوخًا بالقرآن، ولو كان بالعكس كان خبر الواحد ناسخًا للقرآن، ولا شك أن الأول أولى لوجوه: الأول: أن ترجيح القرآن المتواتر على خبر الواحد أولى من العكس، وثانيها: أن العمل بالآية أقرب إلى الاحتياط، وثالثها: أنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه» وذلك يقتضي تقديم القرآن على الخبر، ورابعها: أن قصة معاذ تقتضي تقديم القرآن على الخبر.
الوجه الرابع: في بيان ضعف هذا الخبر: أن العلماء اختلفوا فيه، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لأن تقطع قدماي أحب إليّ من أن أمسح على الخفين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لأن أمسح على جلد حمار أحبّ إلي من أن أمسح على الخفين، وأما مالك فإحدى الروايتين عنه أنه أنكر جواز المسح على الخفين، ولا نزاع أنه كان في علم الحديث كالشمس الطالعة، فلولا أنه عرف فيه ضعفًا وإلا لما قال ذلك، والرواية الثانية عن مالك أنه ما أباح المسح على الخفين للمقيم، وأباحه للمسافر مهما شاء من غير تقدير فيه.
وأما الشافعي وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء فإنهم جوزوه للمسافر ثلاثة أيام بلياليها من وقت الحدث بعد اللبس.
وقال الحسن البصري: ابتداؤه من وقت لبس الخفين، وقال الأوزاعي وأحمد: يعتبر وقت المسح بعد الحدث: قالوا: فهذا الاختلاف الشديد بين الفقهاء يدل على أن الخبر ما بلغ مبلغ الظهور والشهرة، وإذا كان كذلك وجب القول بأن هذه الأقوال لما تعارضت تساقطت، وعند ذلك يجب الرجوع إلى ظاهر كتاب الله تعالى.
الخامس: أن الحاجة إلى معرفة جواز المسح على الخفين حاجة عامة في حق كل المكلفين، فلو كان ذلك مشروعًا لعرفه الكل، ولبلغ مبلغ التواتر، ولما لم يكن الأمر كذلك ظهر ضعفه، فهذا جملة كلام من أنكر المسح على الخفين.
وأما الفقهاء فقالوا: ظهر عن بعض الصحابة القول به ولم يظهر من الباقين إنكار، فكان ذلك إجماعًا من الصحابة، فهذا أقوى ما يقال فيه.
وقال الحسن البصري: حدّثني سبعون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، وأما إنكار ابن عباس رضي الله عنهما فروي أن عكرمة روى ذلك عنه، فلما سئل ابن عباس عنه فقال: كذب علي.
وقال عطاء: كان ابن عمر يخالف الناس في المسح على الخفين لكنه لم يمت حتى وافقهم، وأما عائشة رضي الله عنها فروي أن شريح بن هانيء قال: سألتها عن مسح الخفين فقالت: اذهب إلى علي فاسأله فإنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أسفاره، قال: فسألته فقال امسح، وهذا يدل على أن عائشة تركت ذلك الإنكار.
المسألة الحادية والأربعون: رجل مقطوع اليدين والرجلين سقط عنه هذان الفرضان وبقي عليه غسل الوجه ومسح الرأس.
فإن لم يكن معه من يوضئه أو ييممه يسقط عنه ذلك أيضًا، لأن قوله تعالى: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} مشروط بالقدرة عليه لا محالة، فإذا فاتت القدرة سقط التكليف، فهذا جملة ما يتعلق من المسائل بآية الوضوء. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الثعلبي:

وحّد الوجه من منابت شعر الرأس إلى طرف الذقن طولًا، وما بين الأُذنين عرضًا، فأما ما استرسل من اللحية عن الذقن؛ فللشافعي هنا قولان:
أحدهما: أنه لا يجب على المتوضىء غسله، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار المزني، واحتجّوا بأن الشعر النازل من الرأس لا يُحكم بِحُكم الرأس. وكذلك من الوجه.
والثاني: أنه يجب غسله، ودليل هذا القول من ظاهر هذه الآية، لأن الوجه ما يواجه به، فكلّ ما تقع به المواجهة من هذا العضو يلزمه غسله بحكم الظاهر.
ومن الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث نهى عن تغطية اللحية في الصلاة إنها من الوجه، ومن اللغة قول العرب بدل وجه فلان وخرج وجهه إذا نبتت لحيته.